الحسد
فوائد وقواعد ومسائل من كتب شيخ الإسلام
قال - رحمه الله -:
والمقصود أن الحسد مرض من أمراض النفس وهو مرض غالب فلا يخلص منه إلا قليل من الناس ولهذا يقال "ما خلا جسد من حسد لكن اللئيم يبديه والكريم يخفيه" وقد قيل للحسن البصري أيحسد المؤمن فقال ما أنساك إخوة يوسف لا أبا لك؟ ولكن عمِّه في صدرك فإنه لا يضرك ما لم تعذبه يداً ولساناً.
فمن وجد في نفسه حسداً لغيره فعليه أن يستعمل معه التقوى والصبر فيكره ذلك من نفسه. وكثيرٌ من الناس الذين عندهم دين لا يعتدون على المحسود فلا يعينون مَن ظلمه ولكنهم أيضا لا يقومون بما يجب من حقه بل إذا ذمه أحد لم يوافقوه على ذمه ولا يذكرون محامده وكذلك لو مدحه أحدٌ لسكتوا، وهؤلاء مدينون في ترك المأمور في حقه، مفرطون في ذلك لا معتدون عليه، وجزاؤهم أنهم يبخسون حقوقهم فلا ينصفون أيضا في مواضع ولا ينصرون على من ظلمهم كما لم ينصروا هذا المحسود.
وأما من اعتدى بقول أو فعل فذلك يعاقب.
ومن اتقى الله وصبر فلم يدخل في الظالمين نفعه الله بتقواه كما جرى لزينب بنت جحش رضى الله عنها فإنها كانت هي التي تسامي عائشة من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -. وحسد النساء بعضهن لبعض كثير غالب لا سيما المتزوجات بزوج واحد فإن المرأة تغار على زوجها لحظِّها منه فإنه بسبب المشاركة يفوت بعض حظها.
وهكذا الحسد يقع كثيراً بين المتشاركين في رئاسة أو مال إذا أخذ بعضهم قسطا من ذلك وفات الآخر. ويكون بين النظراء لكراهة أحدهما أن يفضل الآخر عليه كحسد أخوة يوسف وكحسد ابني آدم أحدهما لأخيه فإنه حسده لكون أن الله تقبل قربانه ولم يتقبل قربان هذا فحسده على ما فضله الله من الإيمان والتقوى كحسد اليهود للمسلمين وقتله على ذلك ولهذا قيل أول ذنب عُصيَ الله به ثلاثة الحرص والكبر والحسد فالحرص من آدم والكبر من إبليس والحسد من قابيل حيث قتل هابيل.
مجموع الفتاوى (10/124-126)