[color=navy]الماء : هو مادة الحياة ، وسيد الشراب ، وأحد أركان العالم ، بل ركنه الأصلي ، فإن السماوات خلقت من بخاره ، والأرض من زبده ، وقد جعل الله منه كل شيء حي . ( والماء مكون من ذرة هيدروجين وذرتين أكسجين ورمزه الكيميائي H2O ) .
وهو بارد رطب ، يقمع الحرارة ، ويحفظ على البدن رطوبته ، ويرد عليه بدل ما تحلل منه ، ويرقق الغذاء ، وينقذه في العروق .
وتعتبر جودة الماء من عشرة طرق :أحدها : من لونه بأن يكون صافياً .
الثاني : من رائحته بأن لا تكون له رائحة البتة .
الثالث : من طعمه بأن يكون عذب الطعم حلوه ، كماء النيل والفرات .
الرابع : من وزنه بأن يكون خفيفاً رقيق القوام .
الخامس : من مجراه ، بأن يكون طيب المجرى والمسلك .
السادس : من منبعه بأن يكون بعيد المنبع .
السابع : من بروزه للشمس والريح ، بأن لا يكون مختفياً تحت الأرض ، فلا تتمكن الشمس والريح من قصارته .
الثامن : من حركته بأن يكون سريع الجري والحركة .
التاسع : من كثرته بأن يكون له كثرة يدفع الفضلات المخالطة له .
العاشر : من مصبه بأن يكون آخذاً من الشمال إلى الجنوب ، أو من المغرب إلى المشرق .
وإذا اعتبرت هذه الأوصاف ، لم تجدها بكمالها إلاّ في الأنهار الأربعة : النيل والفرات وسيحون وجيحون .
وفي الصحيحين : من حديث أبي هريرة> قال : A : ( سيحان وجيحان والنيل والفرات كل من أنـهار الجنة ) 1.وتعتبر خفة الماء من ثلاثة أوجه ، أحدها : سرعة قبوله للحر والبرد ، قال أبقراط : الماء الذي يُسخن سريعاً ، ويبرد سريعاً أخف المياه . الثاني : بالميزان . الثالث : أن تُبل قطنتان متساويتا الوزن بماءين مختلفين ، ثم يجففا بالغاً ، ثم توزنا ، فأيتهما كانت أخف ، فماؤها كذلك .
والماء وإن كان في الأصل بارداً رطباً ، فإن قوته تنتقل وتتغير لأسباب عارضة توجب انتقالها ، فإن الماء المكشوف للشمال المستور عن الجهات الأُخر يكون بارداً ، وفيه يبس مكتسب من ريح الشمال ، وكذلك الحكم على سائر الجهات الأخر .
والماء الذي ينبع من المعادن يكون على طبيعة ذلك المعدن ، ويؤثر في البدن تأثيره والماء العذب نافع للمرضى والأصحاء ، والبارد منه أنفع وألذ ، ولا ينبغي شربه على الريق ، ولا عقيب الجماع ، ولا الانتباه من النوم ، ولا عقيب الحمّام ، ولا عقيب الفاكهة ، وأما على الطعام فلا بأس به إذا اضطر إليه ، بل يتعين ولا يكثر منه ، بل يتمصصه مصاً ، فإنه لا يضره البتة ، بل يقوي المعدة ، وينهض الشهوة ، ويزيل العطش .
[color:f9b0=navy:f9b0]والماء الفاتر ينفخ ويفعل ضد ما ذكرناه ، وبائته أجود من طريه ، والبارد ينفع من داخل أكثر من نفعه من خارج ، والحار بالعكس ، وينفع البارد من عفونة الدم ، وصعود الأبخرة إلى الرأس ، ويدفع العفونات ، ويوافق الأمزجة والأسنان والأزمان والأماكن الحارة ، ويضر على كل حالة تحتاج إلى نضج وتحليل ، كالزكام والأورام ، والشديد البرودة منه يؤذي الأسنان ، والإدمان عليه يحدث انفجار الدم والنزلات ، وأوجاع الصدر .
والبارد والحار بإفراط ضاران للعصب ولأكثر الأعضاء ، لأن أحدهما محلل ، والآخر مكثّف ، والماء الحار يسكن لذع الأخلاط الحادة ، ويحلل وينضج ، ويخرج الفضول ، ويرطب ويسخن ، ويفسد الهضم شربه ، ويطفو بالطعام إلى أعلى المعدة ويرخيها ، ولا يسرع في تسكين العطش ، ويذبل البدن ، ويؤدي إلى أمراض رديئة ، ويضر في أكثر الأمراض على أنه صالح للشيوخ ، وأصحاب الصرع ، والصداع البارد ، والرمد . وأنفع ما استعمل من خارج
1 .
والأحياء كلها خلقت من الماء، فالسكريات والدهون والبروتينات ـ مواد الحياة ـ بالإضافة إلى الأحماض النووية التي تكوِّن العوامل الوراثية والصفات كلها تنشأ من الماء، باتحاده بثاني أكسيد الكربون ـ بفعل الضوء وصبغ الكلوروفيل ـ فيتكون منها (الجلوكوز) وذلك في عمليات طويلة ومعقدة، كشف العلم النقاب عنها، وهي شاهد على قدرة الخالق سبحانه وتعالى. وجزء الجلوكوز ـ أو مكوناته ـ هي اللبنة الأولى لكافة المواد العضوية على الأرض. فمنه تبنى الدهون والبروتينات، وبقية السكريات، وهي مكونات كافة أنواع الحيوانات التي تحصل على مادتها العضوية كغذاء تستمد من نبات أو من حيوان تغذى على نبات.
إذن فكل مادة عضوية ـ أي كل مادة تتكون منها سائر الأحياء لا تبنى ولا تتكون إلا من الماء. 2
1 أخرجه مسلم .( 1 ) زاد المعاد لابن القيم ، جـ 4 ، صـ 338-390 .(2) الأسودان التمر والماء. صـ 175ـ176.