عاش الشيخ راشد بن خنين – رحمه الله – في الفترة التي شهدت بزوغ وانتشار الدعوة السلفية على يد المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب _ رحمه الله – في القرن الثاني عشر الهجري ، وحيث أن الشيخ ابن خنين كان على خلاف مع الشيخ ابن عبد الوهاب في بعض المسائل المذهبية التي يسوغ فيها الخلاف بحكم انتماء ابن خنين للمدرسة الحنفية فيما كان الشيخ ابن عبد الوهاب من أتباع المدرسة الحنبلية التي أولت جانب العبادات عامة والعقيدة خاصة اهتماما كبيرا جعلتها في الغالب الفيصل في الحكم على المخالفين قربا أو بعدا .
والملاحظ أن ذلك الخلاف وإن بدا أول الأمر شديدا قياسا بأثره المتمثل في إبعاد الشيخ ابن خنين من بلده إلى الإحساء ، إلا أنه لم يتجاوز تلك المسألة ودليل ذلك خلو رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب وردوده من ذكر الشيخ ابن خنين ضمن طائفة المخالفين والمناوئين للدعوة السلفية الذين بلغوا في نجد وحدها أكثر من عشرين عالما أو طالب علم وفي مقدمتهم عبد الله المويس من حرمه وسليمان بن سحيم من الرياض ، بل إن الشيخ ابن خنين قد اشتغل في الإحساء بعد أن انتقل إليها بالتدريس والتجارة ولم يركب موجة الهجوم على الدعوة السلفية كغيره من علماء الإحساء آنذاك كالقاضي عبد الله بن عبد اللطيف والمشايخ محمد بن عفالق وابن مطلق وابن فيروز .
وسأحاول في هذه النبذة اليسيرة المستلة من فصل التراجم في كتابي المخطوط عن قبيلة عائذ أن أنير بعض الجوانب الغامضة في شخصية ذلك العالم الذي لم ينل حقه في كتب التاريخ والتراجم ، كما أن أسرته التي تحفل بالعلماء وطلبة العلم والمؤرخين في وقتنا الحاضر يلحقها لوم كبير في تقصيرها تجاهه فلم تبذل جهدا في لملمة تراثه وتجميع ما فقد منه وتحقيقه وإخراجه إلى النور اللهم إلا وريقات قليلة كتبت على استحياء ! الأمر الذي أحاط موقف الشيخ راشد بن خنين من الدعوة السلفية بشيء من الغموض وعدم الفهم لدى الباحثين .
ولد الشيخ العالم راشد بن محمد بن رشيد بن خنين العائذي نسبا الحنفي مذهبا الخرجي موطنا ، في الخرج في نحو العقد الثاني من القرن الثاني عشر، وهو _ رحمه الله _ علامة الخرج وقاضيها في زمنه قال عنه البسام: ( أدرك في العلوم الشرعية وصار من كبار فقهاء المذهب الحنفي ، واشتهر في قطره بالعلم والإطلاع ، وقد ولي قضاء الدلم في فترات متقطعة ما بين 1162هـ إلى سنة 1200هـ ) ومضى يقول : ( ولما قام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بدعوته السلفية لم يرتح لها ، ورأى أن ما يطبق فيها من النصوص الكريمة على جهال ذلك الزمن لا ينطبق عليهم ، وإنما تطبق في حق من لا يدين بالرسالة المحمدية إطلاقا ، أما هؤلاء الذين يعترفون بأصل الرسالة ، فعملهم إما سائغ شرعا ، وإما أنه لا يصل إلى درجة الخروج من الملة المحمدية ، أو أنهم يعذرون لجهلهم ،وبسبب هذا الخلاف منه جرى ترحيله من بلده إلى الإحساء الذي لم يدخل في ذلك الزمن تحت الحكم السعودي ) انتهى .
وقد شهد عصر الشيخين أوج الصراع بين أمراء الخرج من آل عثمان ومن يدور في فلكهم كآل بجادي من جهة وأمراء الدرعية من آل سعود من جهة أخرى ، ولا يستبعد أن الخلاف بين الشيخين قد أذكى جذوة الخلاف بين الخرج والدرعية ، ذلك أن العلاقة بين البلدتين قبل الدعوة السلفية كان يسودها الود بل الحلف ، وشاهد ذلك ما ذكره المؤرخون في أحداث عام 1098 هـ وهي صولة أهل حريملاء وابن مقرن وزامل آل عثمان على سدوس ،وذكر الفاخري الحادثة ونص على أنه (محمد بن مقرن راعي الدرعية) كما أن ابن بسام ذكر الحادثة بقوله ( وفيه سار أهل حريملاء ومعهم محمد بن مقرن أمير بلد الدرعية وزامل بن عثمان العايذي أمير الخرج وتوجهوا إلى سدوس وهدموا قصرها وخربوه ) .
ويبدو أن الخلاف المذهبي بين الشيخين ـ رحمهما الله ـ نشأ عنه اختلافهم في بعض المسائل العقدية كطلب الشفاعة والقصد لزيارة قبر الرسولـ صلى الله عليه وسلم ـ وطريقة فهم وإنزال بعض النصوص الشرعية على المعينين ممن ظهر فيهم بعض المخالفات الشرعية ـ إلى جانب ما بينه الشيخ عبد الله البسام في تعليقه آنف الذكر ـ قد ساهم ذلك كله وغيره مما خفي علينا في اشتداد حدة الخلاف بينهما ، فأثر ذلك بدوره على العلاقة الوطيدة بين آل عثمان وآل سعود ، باعتبار منزلة كل منهما ونفوذه عند أمير البلدة ، إلا أن الخلاف بين الشيخين لم يؤثر في علاقة ابن خنين بالدولة السعودية وشاهد ذلك هو إشارته في نبذته التاريخية عند حديثه عن نسب آل سعود إلى أن الإمام في وقته هو عبد العزيز بن محمد بن سعود ، إلى أن قال : ( وبه _ أي الإمام عبد العزيز _ تشرفت قبيلته على الإطلاق ) انتهى ، قلت ولو كان الشيخ ابن خنين يكن العداء والكراهية للدولة السعودية لما قال كلامه السابق الذي أكد فيه أن قبيلة بني حنيفة على الإطلاق قد شرفت بكون الإمام عبد العزيز منها.
وقد تابعه من أتى بعده من المؤرخين والنسابين في النقل عنه لنسب الأسرة الحاكمة ، كما أنه ذكر أن أصل آل سعود من القطيف من موضع يقال له الدرعية ، وأشار إلى أن بلدة الدرعية الحالية كانت تسمى قديما الضيق وغبيراء.
ويعد الشيخ راشد بن خنين من العلماء الأدباء وقد أورد صاحب ( سبائك العسجد )( في ترجمة الشيخ عبد العزيز بن صالح آل موسى أنه ( تأدب على الشيخ راشد بن خنين وأخذ عنه النحو والمعاني ) كما نظم ابن خنين الشعر وله قصيدة مشهورة أثارت الجدل لاشتمالها على ما يوحي بالغلو في شخص رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والقصد من زيارة المسجد النبوي والقبر الشريف ، والقصيدة طويلة ولكننا سنورد منها الأبيات التي اختلف فيها الشيخ مع غيره من جمهور العلماء في جواز حصر القصد من زيارة المدينة زيارة قبر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكذلك اشتمالها على شيء من الغلو في طلب الشفاعة من الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو ما عارضه العلماء وخاصة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله .
والأبيات كما وردت في قصيدته:
وكن قاصدا بالسير منك زيارة
لمن حلها رغما لأنف المماذق
فمن قال لا تشدد رحالك نحوه
على القصد بل في ضمن شيء مطابق
فقد خالف الإجماع منه ضلالة
فسحقا لمن يتبع ضلالة مارق
فزر قبره إن الزيارة سنة
على كل مشتاق إليه وشائق
ونافس بها أيام عمرك كلها
تفقها وفاقا عند أهل التوافق
توجه إلى وجه الوجيه مقابلا
وشاهد لأنوار الحبيب البوارق
وقف من بعيد مطرقا متأدبا
ولا تتفكر في نقوش السرادق
وسلم بلا صوت رفيع على الذي
تلوذ به من كل خطب وضائق
محمد الجالي عن القلب رينه
ومن فاق حقا في العلى كل فائق
وقد رد عليه الشيخ سليمان بن سحمان بقصيدة في ثلاثين بيتا منها:
فمن قال لا تشدد رحالك نحوه
على القصد بل في ضمن شيء مطابق
فقد وافق النص الشريف ولم يحد
عن المنهج الأسنى ورب المشارق
إلى أن قال موجها خطابه للشيخ ابن خنين :
وقال عنادا للهداة الذين هـم
أحق وأهدى من غوي منافق
وكن قاصدا بالسير منك زيارة
لمن حلها رغما لأنف المماذق
ووالله مـا منا لذلك منكـر
ولكننا ندعوا لأهدى الطرائق
وذلك أن الشد للرحل إنمـا
لمسجده قد كان قولا لصادق
إلى أن قال أيضا :
وإياك أن تأخذ بأقوال مارق
تلوذ به من كل خطب مضائق
وكن لائذا بالله جل جلاله
لتنجو في يوم البكا والتشاهق
وبالنظر إلى عصر الشيخ ـ رحمه الله ـ والذي انتشرت فيه البدع والخرافات في بعض بلدان نجد فقد يلتمس له العذر وهو الشيخ الحنفي فلم يكن بدعا من العلماء ذلك أن بعض العلماء الكبار آنذاك من متأخري الحنابلة قد نقل عنهم جواز القصد بالزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد توفي الشيخ راشد بن خنين في العقد الأول من القرن الثالث عشر بعد رجوعه من الزبارة في قطر إلى الإحساء ودفن فيها وليس له من الذرية سوى البنات فقط وبذلك انقطع عقبه رحمه الله وعفا عنه .
منقول جملة وتفصيلاً.....